فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} أي: كيف صار وبال تكذيبهم على أنفسهم.
ويقال: يقول الله تعالى للملائكة: {انْظُر كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ} يعني: انظر إليهم كيف يكذبون على أنفسهم {وَضَلَّ عَنْهُم} يعني: ذهب عنهم.
ويقال: اشتغل عنهم الآلهة بأنفسها {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} على الله من الكذب في الدنيا. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} فالمراد إنكارهم كونهم مشركين، وقوله: {وَضَلَّ عَنْهُم} عطف على قوله: {كَذَّبُواْ} تقديره: وكيف ضل عنهم ما كانوا يفترون بعبادته من الأصنام فلم تغن عنهم شيئًا وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} كذب المشركين قولُهم: إن عبادة الأصنام تُقرِّبنا إلى الله زُلْفَى، بل ظَنُّوا ذلك وظَنُّهُمْ الخطأ لا يُعذِرهم ولا يزيل اسم الكذب عنهم، وكذب المنافقين باعتذارهم بالباطل، وجحدهم نفاقهم.
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي فانظر كيف ضلّ عنهم افتراؤهم أي تَلاَشى وبطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم.
وقيل: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئًا؛ عن الحسن.
وقيل: المعنى عَزَب عنهم افتراؤهم لَدَهشهم، وذهول عقولهم.
والنظر في قوله: {انظر} يراد به نظر الاعتبار؛ ثم قيل؛ {كَذَبُوا} بمعنى يكذِبون، فعبّر عن المستقبل بالماضي؛ وجاز أن يكذِبوا في الآخرة لأنه موضع دَهَش وحَيْرة وذهول عقل.
وقيل: لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة؛ لأنها دار جزاء على ما كان في الدنيا وعلى ذلك أكثر أهل النظر وإنما ذلك في الدنيا؛ فمعنى {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} على هذا: ما كنا مشركين عند أنفسنا؛ وعلى جواز أن يكذِبوا في الآخرة يعارضه قوله: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 42]؛ ولا معارضة ولا تناقض؛ لا يَكتمون الله حديثًا في بعض المواطن إذا شهدت عليه ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بعملهم، ويكذبون على أنفسهم في بعض المواطن قبل شهادة الجوارح على ما تقدّم. والله أعلم.
وقال سعيد بن جُبَير في قوله تعالى: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} قال: اعتذروا وحَلَفوا؛ وكذلك قال ابن أبي نَجِيح وقَتَادة: وروي عن مجاهد أنه قال: لما رأُوا أن الذنوب تغفر إلا الشرك بالله والناسَ يخرجون من النار قالوا: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وقيل: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} أي علمنا أن الأحجار لا تضر ولا تنفع، وهذا وإن كان صحيحًا من القول فقد صَدَقوا ولم يكتموا، ولكن لا يُعذَرون بهذا؛ فإن المعاند كافر غير معذور.
ثم قيل في قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} خمس قراءات: قرأ حمزة والكِسائيّ {يكن} بالياء {فِتْنَتَهُمْ} بالنصب خبر {يكن} {إِلاَّ أَن قَالُواْ} اسمها أي إلا قولُهم؛ فهذه قراءة بيّنة.
وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {تكن} بالتاء {فِتْنَتَهُمْ} بالنصب {إِلاَّ أَن قَالُواْ} أي إلا مقالتُهم.
وقرأ أُبيّ وابن مسعود وما كان بدل قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} {فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ}.
وقرأ ابن عامر وعاصم من رواية حفص، والأعمش من رواية المفضّل، والحسن وقَتَادة وغيرهم {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} بالرفع اسم {تكن} والخبر {إِلاَّ أَن قَالُواْ} فهذه أربع قراءات.
الخامسة {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالياء {فِتْنَتُهُمْ}؛ رفع ويذكّر الفتنة لأنها بمعنى الفتون، ومثله {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فانتهى} [البقرة: 275].
{واللَّهِ} الواو واو القسم {رَبِّنَا} نعت لله عز وجل، أو بدل.
ومن نصب فعلى النداء أي يا ربَّنا وهي قراءة حسنة؛ لأن فيها معنى الاستكانة والتضرع، إلا أنه فَصَل بين القسم وجوابه بالمنادى. اهـ.

.قال الخازن:

{انظر كيف كذبوا على أنفسهم} يعني انظر يا محمد بعين البصيرة والتأمل إلى حال هؤلاء المشركين كيف كذبوا على أنفسهم يعني اعتذارهم بالباطل وتبرؤهم من الأصنام والشرك الذي كانوا عليه واستعمالهم الكذب مثل ما كانوا عليه في دار الدنيا وذلك لا ينفعهم وهو قوله: {وضل عنهم} يعني زال عنهم وذهب {ما كانوا يفترون} يعني ما كانوا يكذبون وهو قولهم إن الأصنام تشفع لهم وتنصرهم فبطل ذلك كله في ذلك اليوم. اهـ.

.قال الألوسي:

{انظر كَيْفَ كَذَبُواْ} أي في قولهم: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وأجابوا بأنه ليس المراد أنهم كذبوا في الآخرة بل المراد: أنظر كيف كذبوا {عَلَى أَنفُسِهِمْ} في الدنيا.
ورد بان الآية لا تدل على هذا المعنى بوجه ولا تنطبق عليه لأنها في شأن خسرهم وأمرهم في الآخرة لا في الدنيا بل تنبو عنه أشد نبو لأن أول النظم الكريم وآخره في ذلك فتخلل بيان حالهم في الدنيا تفكيك له وتعسف جدًا.
ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور أيضًا قوله تعالص: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شيء أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} [المجادة: 18] بعد قوله سبحانه: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14] حيث شبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا، ويشير إلى هذا التشبيه أيضًا الأمر بالنظر كما لا يخفى على من نظر.
وذكر ابن المنير أن في الآية دليلًا بينا على أن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب وإن لم يعلم المخبر مخالفة خبره لمخبره ألا تراه سبحانه جعل إخبارهم وتبرأهم كذبًا مع أنه جل شأنه أخبر عنهم بقوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي سلبوا علمه حينئذ دهشا وحيرة فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم، وأنت تعلم أن تفسير هذه الجملة بما ذكر غير ظاهر.
والمروي عن الحسن أن {مَا} موصولة والمراد بها الأصنام التي كانوا يعبدونها ويقولون فيها: {هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] أو نحو ذلك.
وإيقاع الافتراء عليها مع أنه في الحقيقة واقع على أحوالها للمبالغة في أمرها كأنها نفس المفتري أي زالت وذهبت عنهم أوثانهم التي يفترون فيها ما يفترون فلم تغن عنهم من الله شيئًا، وقيل: إن {مَا} مصدرية أي ضل افترائهم كقوله سبحانه: {ضَلَّ سَعْيُهُمْ} [الكهف: 104] أي لم ينفعهم ذلك.
والجملة قيل: مستأنفة، وقيل: واختاره شيخ الإسلام إنها عطف على {كَذَّبُواْ} داخل معه في حكم التعجب إذ الاستفهام السابق المعلق لأنظر لذلك.
وجعل المعنى على احتمال الموصول والمصدرية أنظر كيف كذبوا باليمين الفاجرة المغلظة على أنفسهم بإنكار صدور ما صدر عنهم وكيف ضل عنهم أي زال وذهب افتراؤهم أو ما كانوا يفترونه من الإشراك حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية وتبرؤوا (منه) بالمرة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} جعل حالهم المتحدّث عنه بمنزلة المشاهد، لصدوره عمّن لا خلاف في أخباره، فلذلك أمر سامعه أو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بما يدلّ على النظر إليه كأنّه مشاهد حاضر.
والأظهر أنّ {كيف} لمجرّد الحال غير دالّ على الاستفهام.
والنظر إلى الحالة هو النظر إلى أصحابها حين تكيّفهم بها.
وقد تقدّمت له نظائر منها قوله تعالى: {انظر كيف يفترون على الله الكذب} في سورة [النساء: 50].
وجعل كثير من المفسّرين النظر هنا نظرًا قلبيًا فإنّه يجيء كما يجيء فعل الرؤية فيكون معلّقًا عن العمل بالاستفهام، أي تأمّل جواب قول القائل: كيف يفترون على الله الكذب تجده جوابًا واضحًا بيّنًا.
ولأجل هذا التحقّق من خبر حشرهم عبّر عن كذبهم الذي يحصل يوم الحشر بصيغة الماضي في قوله: {كذبوا على أنفسهم}.
وكذلك قوله: {وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}.
وفعل (كذب) يعدّى بحرف (على) إلى من يخبّر عنه الكاذب كذبًا مثل تعديته في هذه الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليّ معتمدًا فليتبوّأ مقعده من النار»، وأمّا تعديته إلى من يخبره الكاذب خبرًا كذبًا فبنفسه، يقال: كذبك، إذا أخبرك بكذب.
وضلّ بمعنى غاب كقوله تعالى: {ضلَلْنا في الأرض} [السجدة: 10]، أي غيّبنا فيها بالدفن.
و{ما} موصولة و{يفترون} صلتها، والعائد محذوف، أي يختلقونه وماصْدق ذلك هو شركاؤهم.
والمراد: غيبة شفاعتهم ونصرهم لأنّ ذلك هو المأمول منهم فلمّا لم يظهر شيء من ذلك نُزّل حضورهم منزلة الغيبة، كما يقال: أُخِذتَ وغاب نصيرك، وهو حاضر. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}.
التفسير: إنه سبحانه لما برهن على إثبات الصانع وتحقيق النبوّات وتقرير المعاد، وانجر الكلام إلى الأمر باعتبار أحوال الغابرين، عاد إلى إثبات هذه المطالب بطريق الإلزام وأخذ الاعتراف، وذلك أن آثار الحدوث وسمات الإمكان لائحة على صفحات السمويات والأرضيات حتى بلغ في ظهوره إلى حيث لا يقدر منكر على إنكاره، فكان في السؤال تبكيت وإفحام، وفي الجواب تقرير وإلزام، أي هو لله بلا مراء وشقاق ولن يتم الملك إلا إذا كان قادرًا على الإعادة كما هو قادر على الإبداء، ولن تحصل حكمة الإعادة إلا بثواب المطيعين وعقاب العاصين، ولن يحسن إيصال الثواب والعقاب إلا بعد نصب الدلائل وإرسال الرسل فلأجل ذلك قال: {كتب على نفسه الرحمة} أي بنصب الأدلة وإزاحة العلة إيجاب الفضل والكرم. وقيل: هذه الرحمة هي أنه يمهلهم مدّة عمرهم ولا يعاجلهم بالاستئصال، أو فرض على نفسه الرحمة لمن ترك التكذيب بالرسل وتاب وأناب وصدّقهم وقبل شريعتهم، أو تلك الرحمة هي أنه يجمعهم إلى يوم القيامة فإنه لولا هذا التهديد لحصل الهرج والمرج وارتفع الضبط وكثر الخبط كأنه قيل: لما علمتم أن كل ما في السموات والأرض لله تعالى، وأنه مالك الكل فاعلموا أن الله الملك الحكيم لا يهمل أمور عبيده، ولا يجوز في حكمته التسوية بين المطيع والعاصي والعامل والساهي.
ومعنى {ليجمعنكم} ليضمنكم. وقيل: فيه حذف أي ليجمعنكم إلى المحشر في يوم القيامة فإن الجمع يكون إلى المكان لا إلى الزمان. وقيل: ليجمعنكم في الدنيا بخلقكم قرنًا بعد قرن إلى يوم القيامة. قال الأخفش: {الذين خسروا} بدل من ضمير المخاطبين في {ليجمعنكم}. وقال الزجاج: إنه مبتأ خبره {فهم لا يؤمنون} وذلك لتضمنه معنى الشرط فكأنه قيل: ما للمشركين مع وضوح الدلائل الباهرة لا يؤمنون؟ فأجيب {الذين خسروا أنفسهم} أي في علم الله وسابق قضائه فهم لا يؤمنون في طرف الأبد، فكان امتناعهم الآن عن الإيمان مسببًا عن سبق القضاء عليهم بالخسران والخذلان. وقال في الكشاف {الذين خسروا} نصب أو رفع على الذم بمعنى أريد الذين، أو أنتم الذين. ثم لما بيّن أن له المكان والمكانيات ارتقى في البيان كما هو شأن الترتيب التعليمي إلى ما هو أخفى من ذلك عند الحس وهو الزمان والزمانيات فقال: {وله ما سكن في الليل والنهار} عن ابن عباس أن كفار مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعونا إليه الحاجة فنحن نجعل لك نصيبًا من أموالنا حتى تكون من أغنانا رجلًا وترجع عما أنت عليه فنزل {وله ما سكن} الآية. قيل: اشتقاقه من السكون والتقدير كل ما سكن وتحرك كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي تقيكم الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر للقرينة. والأصوب أن يقال: اشتقاقه من السكنى كما يقال: فلان سكن ببلد كذا أي حل فيه. والمراد كل ما حل في الوقت والزمان سواء كان متحركًا أو ساكنًا، وذلك أن الدخول تحت الزمان يستلزم التغير والحدوث فلابد له من محدث يتقدم عليه وعلى نفس الزمان {وهو السميع العليم} الذي يسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين فيوصل كل ممكن إلى كمال يليق به ويستعدّ له.